الحمدُ للهِ ، وسلامٌ على عباده الذين ﭐصطفى ، أَمَّا بَعْدُ
فقد لَفَتَ نظري منذ سنوات ما ورد في كتاب الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط (ص 15 قسم القراءات) ، من وجود نسخة خطية من كتاب الاحتجاج في القراءة لابن السراج المتوفى سنة 316هـ ، في مكتبة عشيرة شرف الملك في مدينة مَدْراس بالهند ، في 418 ورقة ، وكان ابن النديم قد أشار إليه في الفهرست (ص 68) في ترجمة ابن السراج ، وسَمَّاهُ (كتاب احتجاج القراءات) ، وذكره حاجي خليفة في كشف الظنون (1/15) ، وسَمَّاهُ (احتجاج القراء)، ولا شك في أن هذه النسبة لو صحت فإنها تمثل اكتشافاً علمياً كبيراً .
وكان هذا الكتاب أحد الكتب التي حرصت على الاطلاع عليها وقت زيارتي لمكتبة عشيرة شرف الملك في يوم (13/6/2014م) ، ووجدته مذكوراً في الفهرس الجديد للمكتبة (المخطوطات العربية النادرة في مكتبة شرف الملك ص 376) الذي أعده الدكتور سيد سجاد عنايت ، وطلبتُ مخطوطة الكتاب ، ونظرتُ فيها ، وأخذتُ صورة لأول المخطوط وآخره ، فنظام المكتبة لا يسمح بأخذ صور لمخطوطات المكتبة ، أكثر من صفحات محدودة من كل مخطوط باستعمال عدسة الهاتف.
وهذه صورة ما مكتوب على غلاف المخطوط :
ويبدو أن هذه الكتابة المنقولة من كشف الظنون جعلت المفهرسين لمخطوطات المكتبة ينسبون الكتاب لابن السراج ، ووجدت أن الورقة الأولى من المخطوط قد سقطت ، وهو يبدأ بالورقة الثانية ، وهذه صورة نصفها الأعلى :
والمؤلف ينقل في هذا النص من كتاب الكشاف للزمخشري المتوفي سنة 538 هـ في السطر الثاني من هذه الصحيفة ، ويعني ذلك استحالة نسبة الكتاب لابن السراج المتوفى سنة 316هـ.
وكان الآركاتي مؤلف نثر المرجان في رسم نظم القرآن قد نقل من كتاب سَمَّاُه (الاحتجاج) كثيراً ، وانشغل المحققون لكتاب نثر المرجان من طلاب الدراسات العليا ، في جامعة تكريت ، وفي جامعة الإمام محمد بن سعود ، بمعرفة حقيقة كتاب الاحتجاج الذي ينقل منه الآركاتي ، وكذلك انشغل بالموضوع الأساتذة الذين اشتركوا في مناقشة أطاريحهم ، وذهبوا في ذلك مذاهب شتى ، ولم يتوصلوا إلى معرفة مؤلف الكتاب ولا حقيقته.
ويبدو أن الآركاتي كان ينقل من كتاب الاحتجاج الذي تحتفظ بمخطوطته مكتبة عشيرة شرف الملك (وهي مكتبة الآركاتي التي ورثتها عائلته عنه) ، لكن ذلك يحتاج إلى تتبع ما نقله من نصوص من الكتاب وموازنته بما ورد في المخطوط ، ولم تسنح لي الفرصة للقيام بذلك ، وظل موضوع هذا الكتاب يشكل لغزاً ينتظر الحل.
وسألني قبل أشهر الأستاذ الدكتور حبيب الله بن صالح السلمي ، الأستاذ بقسم القراءات في جامعة أم القرى ، عن كتاب الاحتجاج ، فأرسلت له ما لديَّ من صور منه ، وحصلت المفاجأة لي وله ، والتي تتمثل في أن مخطوطة كتاب (الاحتجاج) المحفوظة في مكتبة شرف الملك نسخة من كتاب (الشفاء في علل القراءات) لأبي الفضل أحمد بن محمد بن محمد الحريري البخاري (من علماء القرن السابع الهجري) ، الذي حقق الدكتور حبيب الله القسم الثاني منه ، وحقق القسم الأول منه الدكتور صالح بن أحمد العِمَاري ، في قسم القراءات بجامعة أم القرى. وهذه صورة آخر الكتاب في القسم المحقق من الكتاب ، ومن المخطوطة:
وقد حاولت موازنة عدد من النصوص التي أشار فيها الآركاتي في نثر المرجان إلى كتاب الاحتجاج وموازنتها بما ورد في كتاب (الشفاء في علل القراءات) ، وتبين لي أن كتاب الاحتجاج الذي ينقل منه الآركاتي هو كتاب الشفاء ، وهذه خمسة نصوص من الجزء الأول من كتاب نثر المرجان ، توضح ذلك:
ويمكن أن يَسْتَنْتِجَ الناظر في هذا الجدول أمرين :
الأول : أنَّ الكتاب الذي ينقل منه الآركاتي في نثر المرجان ، ويُسَمِّيهِ كتاب (الاحتجاج) ، هو الكتاب المخطوط المحفوظ في مكتبة عشيرة شرف الملك ، والمنسوب لابن السراج خطأً.
الثاني : أن الكتاب الذي ينقل منه الآركاتي ويسميه كتاب الاحتجاج ، هو كتاب (الشفاء في علل القراءات) لأبي الفضل أحمد بن محمد الحريري البخاري.
ومن ثم يلزم الذين اشتغلوا بتحقيق كتاب نثر المرجان أن يسارعوا إلى تصحيح معلوماتهم حول هذا الكتاب ، وأن يُخَرِّجُوا النصوص الموجودة في كتاب نثر المرجان ، منسوبة إلى كتاب الاحتجاج ، من كتاب (الشفاء في علل القرااءت).
والحمد لله رب العالمين
أربيل – العراق