إذا كان علم التجويد فيه مجال للاجتهاد فثم سؤال يتعلق بوسائل الاجتهاد وأدواته ، وهو: هل يمكن الإفادة من وسائل الدرس الصوتي الحديث في ذلك ، لاسيما أن موضوعهما في الأساس واحد ؟
ومن المعلوم لديكم أن علم التجويد نشأ من خلال علمين ، هما : علم القراءات وعلم اللغة العربية ، وتحصل من ذلك علم جديد ، هو علم التجويد ، وموضوعه كيفية إجادة النطق بقراءة القرآن على الطريقة المتلقاة عن أئمة القراءة ، واستخدم علماء التجويد ما تيسر لهم من المباحث الصوتية لدى علماء القراءة وعلماء العربية في دراسة ظواهر النطق القرآني ، وبنوا عليها دراستهم حتى صار علم التجويد علماً متميزاً في موضوعه ومباحثه .
والمتتبع لكتابات علماء التجويد عبر القرون يجد أن كثيراً منهم قد أبدعوا مباحث جديدة ، وأتوا بأفكار لم يسبقهم إليها من تقدمهم ، ولا أستثني من ذلك حقبة معينة ، فحتى العصور المتأخرة قد شهدت إنجازات علمية متميزة في دراسة الأصوات من خلال مباحث علم التجويد .
وإذا كان الأمر كذلك ، فهل لنا أن نجتهد كما اجتهدوا ، وهل يجوز لنا أن نستعين بوسائل الدرس الصوتي الحديث في فهم ظواهر النطق القرآني ، كما استفادوا مما كتبه سيبويه وعلماء العربية الآخرين عن أصوات اللغة العربية ، أم يجب علينا التمسك بكل ما قاله سيبويه ومكي والداني وغيرهم من أساطين هذا العلم – رحمهم الله جميعاً- حتى " ولو كان ناقصاً " ، " ولو لم يكن دقيقاً" ، وهل المتابعة المطلوبة تمنع الإفادة من كلام : إبراهيم أنيس " وغيره من أهل الأصوات ، إذا كان لديهم بعض ما يكشف من أسرار الصوت الإنساني ؟
الذي ترجح عندي ، وأرجو ألا أكون مجانباً للصواب هو : وجوب الإفادة من وسائل الدرس الصوتي الحديث في دراسة علم التجويد ، على الرغم من أن تلك الوسائل صناعة غير إسلامية ، لأن كثيراً مما حققه علم الأصوات يرقى إلى مستوى الحقيقة العلمية ، فكما أننا نستورد منجزات العلم الحديث في الطب والعلوم والصناعات ، فإن اقتباس حقائق علم الصوت عنهم أمر مفيد يعزز دراسة علم التجويد ويسهلها على المتعلم ، ويبرز القيمة العلمية لجهود علماء التجويد ، من غير أن نغير شيئاً من أصول القراءة القرآنية .
وإذا كان لابد من تحقق عدالة من نأخذ عنهم علم الصوت الحديث فإن ذلك أمر ممكن الآن ، فقد صار لدينا اليوم تراث صوتي عربي إسلامي خالص ، كتبه أساتذة فضلاء مشهود لهم بالدين والصلاح ، تخصصوا بدراسة علم الصوت الحديث ، وطوعوه لخدمة لغة القرآن ، لكن لا يزال هناك كثير مما يجب عمله لمواكبة منجزات العلم ، وفي مقدمة ذلك تأسيس مختبرات دراسة الصوت وتحليله ، إلى جانب المختبرات التعليمية للغة ، وجعلها متاحة للباحثين والدارسين والمتعلمين .
وأود أن أذكِّر الإخوة الذين لديهم اعتراضات على ذلك ، بأن تبني المنهج الصوتي الحديث في دراسة علم التجويد ، لن يؤدي إلى تغيير القراءة القرآنية ، كما أنه لن يغير من شكل هذا العلم ، ولن يؤدي إلى قطع صلتنا بمصادره الأولى ، فأكثر مباحث علم التجويد جاء علم الصوت الحديث ليؤكد صحتها ودقتها.
القسم:
فوائد و لطائف
التاريخ:
21 مارس
2015
لايوجد تعليقات