هي النِّقَاط التي توضع على الحروف المشتبهة في الصورة لتمييز بعضها عن بعض ، إذ يذكر مؤرخو الخط العربي أن الحروف في الكتابة النبطية الأولى كانت تُرْسَمُ منفصلة في الكلمة ، ثم مالت إلى الاتصال في الكتابة النبطية المتأخرة ، وتَرَتَّبَ على ذلك تشابه عدد من الحروف في الصورة (1) ، ووَرِثَتِ الكتابة العربية هذه الظاهرة عن أصلها القديم ، لكن ذلك التشابه لم يستمر طويلاً في الكتابة العربية ، إذ لجأ الكُتَّاب إلى وضع نِقَاط الإعجام لتمييز الحروف المتشابهة.
وهناك عدة أقوال في مبدأ استعمال نِقَاط الإعجام في الحروف العربية، أشهرها قولان :
الأول: أن الإعجام قديم في الكتابة العربية ، ويرجع إلى ما قبل الإسلام ، ويرتبط هذا القول برواية تَنْسُبُ اختراع الكتابة العربية إلى ثلاثة رجال من قبيلة طَيِّئ ، وقيل : من بَوْلان ، سَكَنُوا الأنبار ، وهم مُرَامِرُ بنُ مُرَّةَ ، وأَسْلَمُ بنُ سِدْرَةَ ، وعامرُ بنُ جَدَرةَ ، فأما مُرَامِرُ فوَضَعَ الصُّوَرَ ، وأما أَسْلَمُ فَفَصَلَ ووَصَلَ ، وأما عامرٌ فَوَضَعَ الإعجام (2) .
وشَكَّكَ بعض الباحثين المحدثين في صحة هذه الرواية (3) ، إلى جانب أن الكتابات العربية القديمة لا تؤيد مضمونها ، ووجود روايات أخرى تَنْسُبُ وضع الإعجام إلى تلامذة أبي الأسود الدؤلي .
الثاني: أن إعجام الحروف حَدَثَ بعد الإسلام ، لكن تحديد سَنَةٍ معينة لذلك أو نسبته إلى شخص معين لا يخلو من إشكالات ، لأن الرواية التي تنسب ذلك إلى نصر بن عاصم (ت 90هـ) لا تخلو من اضطراب، ولأن ما عُثِرَ عليه من النقوش يتعارض مع ما جاء فيها .
فقد نقل مؤلفو كُتُبِ التصحيف رواية مفادها أن التصحيف فشا في الكتابة العربية في خلافة عبد الملك بن مروان التي امتدت بين سنتي (65-86هـ) ففزع الحجاج بن يوسف الثقفي إلى كُتَّابِه في العراق ، وكانت ولايته على العراق بين سنتي (75-95هـ ) وسألهم أن يضعوا لهذه الحروف المشتبهة في الصور علامات تميز بينها ، فوضعوا النِّقَاطَ أفراداً وأزواجاً ، ويقال إن نصر بن عاصم هو الذي قام بذلك ، وكانت وفاته سنة 90هـ (4) .
وتدل هذه الرواية على أن نِقَاط الإعجام ٱسْتُعْمِلَتْ في الكتابة العربية بعد سنة 75هـ ، وهي سنة ولاية الحجاج على العراق ، وقبلَ سنة 90هـ ، وهي سنة وفاة نصر بن عاصم .
إن ما دلت عليه الرواية السابقة يتعارض مع ما تم العثور عليه من نقوش كتابية عربية ظهرت فيها نقاط الإعجام ، وهي مؤرخة بسنة تسبق سنة 75هـ ...
_____________________
(1) ينظر: كتابي: رسم المصحف ص73 ، وصالح بن إبراهيم الحسن: الكتابة العربية من النقوش إلى الكتاب المخطوط ص74 .
(2) ينظر: البلاذري: فتوح البلدان ص476 ، وابن أبي داود: كتاب المصاحف ص138 ، وابن النديم: الفهرست ص7 ، والداني ، المحكم ص35 ، وصلاح الدين المنجد:دراسات في تاريخ الخط العربي ص125-126 .
(3) ينظر: خليل يحيى نامي: أصل الخط العربي ص3 .
(4) ينظر: حمزة الأصفهاني: التنبيه على حدوث التصحيف ص27 ، وأبو أحمد العسكري: شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف ص13 ، والصفدي: تصحيح التصحيف وتحرير التحريف ص13-14 .
القسم:
فوائد و لطائف
التاريخ:
03 سبتمبر
2014
لايوجد تعليقات