السؤال: هل صحيحٌ قول بعض دارسي الأصوات إن الطاء التي ينطق بها قراء القرآن الكريم اليومَ مهموسةٌ؟...نرجو من فضيلتكم بيان الرأي الصحيح في هذه المسألة ، جزاكم الله خيرا.
الجواب: من الْمُسَلَّمَات لدى دارسي الأصوات اليوم وصف الطاء المسموعة في قراءة القرآن وغيرها من صور النطق العربي بالهمس ، ولكن هذا أمر يستغربه وينكره المشتغلون بعلم القراءة والتجويد ممن لم يدرس علم الأصوات ، وسبب ذلك الإنكار في نظري أمران ، الأول : إجماع علماء العربية والقراءة والتجويد على وصف الطاء بالجهر في الكتب ، والثاني غموض تعريف الجهر لديهم ، وهو تعريف سيبويه مع بعض الإضافات أو التحريفات ، مما جعلهم يتصورون أن نطق الطاء اليوم ممزوج بالجهر ، لما فيه من منع النَّفَس عند النطق به !
ويترتب على ذلك تساؤلات منها : كيف كانت تُنطق الطاء إذا كانت مجهورة ؟ والجواب المتوقع القول بأنها كانت تشبه الضاد المصرية ، كما لا يخفى عليكم ، ثم لحقها الهمس في وقت ما وتحولت إلى الطاء المعاصرة المهموسة .
والتساؤل الآخر هو : هل يؤيد كلام علماء التجويد عن الطاء ، وكذلك سلوك الطاء عند مجاورتها غيرها من الأصوات هذا التصور ، وقد يكون النظر في النصوص التي ذكرها علماء التجويد في كتبهم في هذا المجال مفيداً .
يقول الداني في التحديد (ص138 ، وكذا في الموضح ص115) : "ولولا الإطباق في الطاء لصارت دالاً ، ولولا الجهر الذي في الدال لصارت تاء". وأصل هذا القول لسيبويه ، وهو يدل على أن الطاء القديمة ما هي إلا الصوت المفخم ( أي المطبق) للدال .
وقال الداني أيضاً (ص139) وهو يتحدث عن التاء : " فإن التقى بالطاء أو الدال أدغم فيها إدغاماً سهلاً من غير عنف ، كقوله: (وقالت طائفة) .. ". وبناء على ما تقدم يكون النطق بالتاء بعد إدغامها في الطاء على هذا النحو : وقالض ضائفة ، فهل فعلاً كانت تنطق هكذا ؟
وقال الداني (ص138) وهو يتحدث عن الطاء : " وقد يجوز إدغامها وإذهاب صوتها ، كما جاز ذلك في النون والتنوين ، وذلك نحو ( فرطتم ) ، و(أحطت) ، و(بسطت) ، وما أشبهه".وقال أيضاً (ص140) : " وإن سبقتِ الطاءُ التاء لُخِّصَ صوت الطاء وإلا صار تاء ، نحو ( فرطت) ..".
ولا يخفى عليكم أن هذه النصوص تحتمل أمرين ، الأول : أن الطاء فيها هي الطاء التي ننطقها اليوم ، وحينئذ لا إشكال في الأمر سوى وجوب البحث عن مخرج لوصف القدماء لها بالجهر . والثاني : أن الطاء كانت تنطق مجهورة ، وهي حينئذ مثل الضاد الطائية أو المصرية اليوم ، فيكون أصل النطق في الكلمات المذكورة هكذا : فَرَّضْتُم ، أحَضْتُ ، بَسَضْتُ ، والتحذير من تحول الطاء هنا إلى تاء يقتضي عمل أمرين : سلب الجهر من الطاء بتأثير همس التاء لتتحول من مجهورة إلى مهموسة ، أي من الضاد إلى الطاء ، ثم سلب الإطباق من الطاء بتأثير انفتاح التاء لتتحول إلى تاء ، وهذا ينطبق على كلام عبد الوهاب القرطبي الآتي الذي أشرتم إليه .
قال عبد الوهاب القرطبي في الموضح (ص189):" الطاء إذا سكنت قُدَّامَ الفاء ، مثل قوله تعالى : (من نُطْفَة) و(لِيُطْفِئُوا) فينبغي أن يُنْعَمَ بيان إطباق الطاء لئلا ترجع تاء ، لما بين التاء والفاء من الاشتراك في الهمس ، مع مشاركة التاء الطاء في المخرج ، وكذلك بعد السين ، مثل قوله (فوسطن به جمعا)، لأن همس السين يجذب الطاء إلى التاء ، على ما تقدم ".
وكذلك ينطبق على قول مكي في الرعاية (ص206-207) : " وإذا وقعت التاء قبل طاء ، وجب التحفظ ببيان التاء ، لئلا يقرب لفظها من الطاء ...فإذا لم يتحفظ القارئ بإظهار لفظ التاء على حقها من اللفظ قَرُبَ لفظها من لفظ الطاء ودخل في التصحيف .. وكذلك تُبَيَّنُ التاء المتحركة قبل الطاء ، وإن حال بينهما حائل ، نحو (اختلط) ..".
أما الطاء التي كالتاء فهي كما وصف القدماء تظهر في نطق الأعاجم ، وينطق بها الأكراد عندنا كذلك ، فيقوقون : صرات في صراط ، والأمر معقول ومفهوم لولا ما نعرفه من وصف القدماء للطاء بالجهر ، ومن ثم فإن الطاء على وصف القدماء تتحول إلى تاء بعملين كما ذكرت.
وليس من السهولة إعطاء رأي قاطع في هذا الموضوع الشائك ، كان د.كمال بشر قد أورد ثلاثة احتمالات لوصف القدماء للطاء بالجهر ، الأول : أنها كانت مجهورة ثم تطورت ، والثاني أنهم وصفوا طاء لهجية مجهورة ، والثالث : أنهم أخطؤوا في وصف الطاء بالجهر ، وأنها مهموسة في الأصل ، ومهما كان الاحتمال الصحيح من هذه الاحتمالات الثلاثة فإن ذلك يجب ألا ينعكس على تلاوة القرآن ، وإنما هو نوع من البحث التاريخي ، فمن قال : إن الطاء كانت مجهورة وتحولت إلى الهمس فإنه لا يدعو إلى تغيير نطقها اليوم ، لكن على المشتغلين بأي علم من العلوم الإجابة على الأسئلة التي تثار حول مسائله ، وفي بحث مثل هذه المسائل ما يحفز أهل الاختصاص لمواجهة ما قد يظهر من تطور جديد في أصوات العربية .
وأعتذر عن التأخر في إجابة طلبك ، وقد يكون ما كتبته غير واف ، لكن هذا ما تيسر لي الآن ، والله أعلم ، وهو الموفق للصواب .
القسم:
إجابات
التاريخ:
20 يوليو
2014
لايوجد تعليقات