ورد في عدد من المصادر التاريخية وصف أبي عبد الرحمن السلمي بالضرير (1) ، كما قال عنه ابن قتيبة : " وكان مكفوفاً " (2) . فهل يدل ذلك على أنه وُلِدَ ضريراً أو أصابه العمى في وقت مبكر من حياته ؟
إن الأنشطة التي شارك فيها أبو عبد الرحمن السلمي لا يمكن أن تصدر عن رجل أعمى ، وذلك مثل خروجه في جيوش الفتح مع أبيه إلى العراق ، وهو فتىً ، وقراءتهِ القرآن في المدينة وحمله المصحف إلى الكوفة ، وجلوسهِ في المسجد الجامع فيها لتعليم الناس القراءة ، وإمساكه المصحف على الإمام علي – رضي الله عنه – وهو يقرأ القرآن من حفظه . وتدلُّ مشاركته في معركة صفين دلالة بينة على أنه لم يكن وقتئذ كفيفاً ، فقد جاء أنه قال : " ورأيت عماراً لا يأخذ وادياً من أودية صفين إلا تبعه مَن كان هناك من أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم - ورأيته جاء إلى المرقال هاشم بن عتبة ، وهو صاحب راية عليٍّ ... فلمَّا كان الليل قلتُ : لأدخلن إليهم ... فركبت فرسي وقد هدأت الرِّجْلُ " (3) .
وقال الذهبي : " ويقالُ : أضرَّ بأخَرَةٍ ، رحمه الله تعالى " (4) ، وهذا أمرٌ ممكنٌ لا سيما أنه كان من المُعَمَّرِين ، وذكر ابن سعد أنه كان إمام المسجد ، وكان يُحمل في اليوم المطير(5) ، ونقل ابن المبارك عن خَتَنِهِ سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن أنه كان يأمرهم أن يحملوه في الطين والمطر إلى المسجد ، وهو مريض (6) . ونقل البسوي عن أبي حصين ، قال : كنت مع أبي عبد الرحمن نلقى شقيقاً الضبي ، فقال : أنت يا عَمِّ تنهى الناس عن مجالستي ، فقال : من هذا ؟ قلنا : شقيق ، قال : إني لم أرك إلا مضلاً دينك تطلبه تقول : رأيتك رأيتك (7) . وفي هذه الروايات ما يدل على أن أبا عبد الرحمن كان قد كُفَّ بصره في آخر عمره ، ولكن ذلك لم يمنعه من استمراره في تعليم القرآن .
_____________________
(1) ينظر : الذهبي : سير أعلام النبلاء 4/ 270 .
(2) المعارف ص 238 .
(3) الطبري : تاريخ الرسل والملوك 5/ 40- 41 .
(4) تاريخ الإسلام 2/ 182 .
(5) الطبقات الكبرى 6/ 172 .
(6) كتاب الزهد ص 141 .
(7) المعرفة والتاريخ 2/ 779 ،ونقل علم الدين السخاوي في جمال القراء (2/ 437) عن أبي حصين قوله :" كنا نذهب بأبي عبد الرحمن من مجلسه ، وكان أعمى"، ولعل ذلك كان في آخر عمره بعد أن أضرَّ.
القسم:
فوائد و لطائف
التاريخ:
06 يوليو
2014
لايوجد تعليقات